بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ/
محمد بن عبد الله الإمام الموقر…حفظكم الله وسلّمكم
تعلمون ما يجري هذه الأيام من اغتيال بعض أئمة المساجد في عدن فما هو موقف الشرع من هذه الإغتيالات ؟ وماهي نصيحتكم للمشايخ والدعاة وأئمة المساجد في عدن ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فالاغتيالات صورة من صور الغدر وقد بين الله في كتابه شؤم الغدر وعواقبه الوخيمة في الدنيا والآخرة على من تعاطاه ونكتفي بذكر آية واحدة قال تعالى :﴿وَكانَ فِي المَدينَةِ تِسعَةُ رَهطٍ يُفسِدونَ فِي الأَرضِ وَلا يُصلِحونَ
قالوا تَقاسَموا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهلَهُ ثُمَّ لَنَقولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدنا مَهلِكَ أَهلِهِ وَإِنّا لَصادِقون َ وَمَكَروا مَكرًا وَمَكَرنا مَكرًا وَهُم لا يَشعُرونَ َ فَانظُر كَيفَ كانَ عاقِبَةُ مَكرِهِم أَنّا دَمَّرناهُم وَقَومَهُم أَجمَعينَ﴾ [النمل: ٤٨-٥١]
فهذا التهديد والوعيد الإلهي لا يأمن منه إلا القوم الممكور بهم، إذ ﴿ فلا يَأمَنُ مَكرَ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الخاسِرون﴾َ[الأعراف: ٩٩]
كما بيّن شؤمه أيضًا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته في أحاديث كثيرة أكتفي بذكر واحد منها ،قال صلى الله عليه وسلم”اغزوا باسم الله وقاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا” فحذر رسولنا عليه الصلاة والسلام أمته من الغدر بالكفار حتى الحربيين ،فما بالك بمن يقوم باغتيال عباد الله الصالحين من المشايخ والدعاة ؟﴿إِنَّ الَّذينَ يَكفُرونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقتُلونَ النَّبِيّينَ بِغَيرِ حَقٍّ وَيَقتُلونَ الَّذينَ يَأمُرونَ بِالقِسطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ﴾[آل عمران: ٢١]
فالغدر محرم في شريعة الإسلام وفي جميع الشرائع المنزلة من عند الله وهو قبيح عند جميع الأمم، فالمسلمون على مر تاريخهم يتجنبون الغدر ويخافون على من وقع منه ذلك من غضب الله وسخطه وبطشه وعقابه، قال المهلب في شرحه لصحيح البخاري: “والغدر حرام بالمؤمنين وبأهل الذمة وفاعله مستحق باسم النفاق ولِلَعْنة الله والملائكة والناس أجمعين على ما رواه علي[ رضي الله عنه]”
فننصح لمن يُغرّر بهم في ارتكاب هذه الأعمال الشنيعة التي لا يقرها شرع ولا عقل ولا عرف أن يعجّلوا بالتوبة إلى الله قبل فوات الأوان .
وأما نصيحتنا لإخواننا المشايخ والدعاة وأئمة المساجد الذين يُهدّدون بالاغتيالات فهي كالتالي:
أولاً: أن يعلموا علم اليقين أن الآجال بيد الله ، وأنه لم تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها ﴿وَما كانَ لِنَفسٍ أَن تَموتَ إِلّا بِإِذنِ اللَّهِ كِتابًا مُؤَجَّلًا ﴾ [آل عمران: ١٤٥] أي: بقضاء وقدر وقال جل وعلا :﴿قُل لَن يُصيبَنا إِلّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَولانا وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾[التوبة: ٥١]
ومن تعليم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لابن عمه (عبد الله بن العباس) وهو غلام قوله:” واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك”
ثانياً: أن تكون عندهم الثقة الكاملة بحفظ الله لهم ودفاعه عنهم فليستعينوا به على حفظهم والدفاع عنهم ،
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ ءَآمَنوا ﴾[الحج: ٣٨]
فالقائم بأذيتهم متوعد بحرب من الله فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “قال الله: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ،ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من ذنب أجدر من أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا من ما يدّخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” فعليهم الإقبال عليه سبحانه عبادة وتضرعاً وصدق لجوء ،وعليهم بكثرة الدعاء خصوصًا في الأسحار وأوقات الإجابة في دفع هذا الشر عنهم وعن إخوانهم .
ثالثاً: أن يتخذوا الأسباب المشروعة في المحافظة على أنفسهم .
رابعاً: على روّاد المساجد والمحبين والمناصرين للدعاة إلى الله أن يحافظوا على المذكورين بحراستهم ليفوتوا الفرصة على المتآمرين .
تنبيه:
لا يظن المتآمرون ومن يُنفذ لهم ذلك أن قيامهم بمثل هذه الأعمال الإجرامية سيُذهب الخير والحق وسينتهي القائمون بحفظ هذا الدين والمبلغون له والداعون إليه، فالحق محفوظ بحفظ الله تعالى قال جل وعلا :﴿إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ﴾[الحجر: ٩]
فمن حفظ الله لذكره حفظه لمن يحمله فالله يغرس لهذا الدين غرساً وكلما قام الأعداء بأذية المسلمين ومحاربتهم كلما زاد المسلمون تمسّكًا بدينهم ،فهذه الأعمال لا تزيد صاحب الحق إلا ثباتًا عليه وتمسّكًا به ودعوة إليه، ﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزادَهُم إيمانًا وَقالوا حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكيلُ﴾[آل عمران: ١٧٣]
والله أسأل أن يحفظ إخواننا الدعاة وأن يدفع عنهم كل سوء ومكروه وأن يكفيهم شرّ الأشرار وكيد الفجّار إنه ولي ذلك والقادر عليه.
محمد بن عبد الله الإمام
دار الحديث بمعبر
في 11/ صفر /1439هـ